يعيش الشباب الفلسطيني أوضاعًا مأساوية وضعته على مفترق طرق صعب وخطر · حالة من التيه والعجز والإحباط تسيطر عليهم في ظل ضياع الأمن والأمان ، والأمل في المستقبل ، الذي بدا أكثر سوداوية في عيونهم ·
ولجأ الشباب الذين ضاقت بهم الأرض ذرعا للبحث عما يفجرون فيه مكنوناتهم ، ويصرفون فيه أوقاتهم ، وهم يحاولون عبثا الخروج من واقعهم إلى واقع جديد يجدون فيه أنفسهم ، ويشقون فيه طريقهم ، ويبنون فيه بلدهم التي دمرها الاحتلال ونسف كل معالم الحضارة فيها ·
فهل ترى يستطيعون تغيير الواقع ، أم أنهم سيبقون أسرى الأوضاع المتردية ، كقشة في مهب الريح تتجاذبها التيارات المختلفة ·
يبحثون عن عمل
كاظم الغف (25 عامًا) حاصل على درجة البكلوريوس في البيئة وعلوم الأرض ،... تخرج منذ ما يقارب العام ، وبعد بحث طويل عن فرصة عمل ، تم توظيفه في مشروع تشغيل البطالة التابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ، وبطبيعة الحال ، فإن الغف لن تكتمل سعادته بهذه الفرصة التي سرعان ما ستتبدد بعد انتهاء عقد العمل الذي لا يستمر أكثر من ثلاثة أشهر ·
ومع أن الغف وجد فرصة مؤقتة إلا أنه يجد وقت فراغ كثير يسعى لإضاعته حيث يقضي معظم وقته بعد إنهاء دوامه في العمل بلعب كرة القدم مع أصدقائه ، أو في الحدائق العامة ، أو السير في الشوارع ، وفي بعض الأوقات في مقاهي الإنترنت ، يتابع من خلالها أخبار الرياضة ، ويتسلى بالمحادثات الجماعية والتعرف إلى أصدقاء جدد ·ويقول الغف الذي ما يزال عَزَبَ : "في بعض الأوقات يكون الأمر مسليا ، وفي البعض الآخر يكون مملا ، وأصبحت حياتي أشبه بالروتين؛ لأنني لا أجد ما أفعله" ·
ويضف الغف : "أنا محظوظ لأنني وجدت عملاً لمدة ثلاثة أشهر ، لكن جميع زملائي الذين تخرجوا معي لا يجدون عملاً ، وما يزالون يعيشون على أمل أن تنفرج الأزمة"ودعا الغف الشباب أمثاله لعدم اليأس قائلا : "أدعو الشباب لعدم اليأس لأنني كدت أصل لهذه المرحلة ، ولم أخرج منها إلا بمساندة أهلي ، على أمل أن تتحسن الأمور في المستقبل" ·أما محمود الغزالي (23 عاما) فهو حاصل على شهادة البكالوريوس في التجارة ، حاله أسوأ من سابقه ، فهو يشعر بالملل في حياته بعد أن فقد كل أمل في العثورعلى وظيفة أو بناء مستقبل أسري مستقر ، أمضى فترة طويلة في البحث عن وظيفة دون جدوى ، وقال: "بحثت عن وظائف دون جدوى ، ما أصابني بإحباط وحال دون استمراري في البحث ، لأنني واثق أن الجهود ستذهب هدرا ، وهذا الحال ينطبق على كل الطلاب الذين تخرجوا معي ويبلغ عددهم حوالي مائة طالب" ·ويضيف : "في ظل هذه الحالة أقضي معظم وقتي في متابعة نشرات الأخبار ، وما تبقى منه على جهاز الكمبيوتر أو مع الجيران ، ونادرا أذهب لأماكن عامة" ·
ويتابع حديثه: "أشعر بالملل من هذا البرنامج لعدم وجود عمل أصرف وقتي فيه بفائدة ، وأصبحت حياتي روتين لا يعود بالفائدة ، لذلك أفكر بالبحث عن فرصة عمل خارج البلاد ، واذا وجدتها فلن أتردد في قبولها "
ويضيف : "الأخبار السياسية أوصلتنا لحالة من اليأس من كل ما هو عربي ، وكنت عند سماعي للأخبار أشعر بالتوتر والحزن والضغط النفسي ، لكن الآن أصبح الأمر طبيعيا" أدهم أبو ناصر (24 عاما) الحاصل على شهادة دبلوم متوسط في التحاليل الطبية ، يشاطر سابقيه رفاقه المأساة ، بل ربما كان أسوأ حظا حين عمل تسعة أشهر كمتطوع في عيادات وكالة الغوث الدولية للاجئين الفلسطينيين ، ورغم ذلك لم يستطع إيجاد مكان شاغر في المراكز أو المستشفيات الطبية في قطاع غزة ·يقول أبو ناصر : "أحاول الاستفادة من وقتي بأقصى درجة ممكنة ، لكنني في كثير من الأحيان أشعر أن حياتنا أصبحت عبثا ، لا جدوى منها ولا فائدة · نحن لا نستطيع أن نفيد أنفسنا أو غيرنا · جميعنا تعلم ليعلق في النهاية شهادة تخرجه في برواز على أحد جدران البيت" ·
ويضيف : "التحقت بعدة دورات لملء الفراغ ، لكن هذا الحال لن يستمر طويلا ، قررت أن أستثمر وقتي في ورشة للسيارات ، إلى حين يأتي الفرج من الله" ·وتفيد إحصائيات وزارة التربية والتعليم العالي أن عدد الخريجين في ازدياد مضطرد ، حيث وصل عدد الخريجين من الجامعات الفلسطينية عام 96 (4443) ، وعام 97 (5519) ، وعام 98 (6344) ، وعام 99 (8380) ، وعام 2000 (9304) ·
وتفيد إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2001 ، في مسح القوى العاملة لدورة تشرين أول - كانون أول 2001 ، الربع الرابع من عام 2001 أن نسبة البطالة في الأراضي الفلسطينية بلغت 26,2% منهم 15,6% أتموا 13 سنة دراسية فأكثر ·
في مقاهي الإنترنت
جيل الطلبة الجامعيين من الشباب ليس أحسن حالا من الخريجين ، فهم يعيشون حالة الإحباط ذاتها ، خاصة أنهم يرون مستقبلا سوداويا ، يأملون أن يجدوا فيه بصيصًا من النور يغير الواقع الحالي إلى واقع أفضل ·محمد حمادة (21 عاما) أحد طلبة كلية التربية التقته "الشبكة الإسلامية" في أحد مقاهي الإنترنت في مدينة غزة حاله كحال عشرات الشباب الذين ترددوا على المكان أثناء وجودنا فيه ، قال : "آتي إلى مقهى الإنترنت ثلاث مرات أسبوعياً" ، وأقضي ما تبقى من الوقت علي جهاز الكمبيوتر في البيت ، أمارس هوايتي في تصميم صفحات الإنترنت ·
بالرغم من أنني متفائل دائما ، إلا أن الوضع سيئ جدا · معظم الشباب محبطون ، وهذا ينعكس على تحصيلهم العلمي ، منهم لا يستطيع الدراسة إلا قبل الامتحان بيوم ، وهذا بالطبع يؤثر على النتائج ·
حينما أجلس مع أصدقائي ، أسمع منهم عبارات اليأس والقنوط ، وهذا يعكس جوا نفسيا عاما ، يعاني منه الشباب الفلسطيني ، جراء فقدانهم الأمل في المستقبل ·أما عامر عاشور (21 عاما) فيدرس في كلية الهندسة بالجامعة الإسلامية في المستوى الثالث ، ويتردد على مقاهي الإنترنت ، لقضاء بعض أوقات الفراغ ، واستغلالها في محادثة أهله في الخارج ، والدردشة مع الأصدقاء ، وفي بعض الأحيان إعداد بعض الأبحاث ·
يصف عاشور الجو النفسي للشباب ، بأنه جو من الإحباط الشديد ، وفي ذات الوقت يحمل في قلبه الأمل في تحسن الأوضاع ، وحسب قوله : "لا شيئ يدوم على حاله" ·ويقول عاشور : "الإحباط ينعكس على دراستي ، وهذا الفصل كان أسوأ الفصول الدراسية على الإطلاق طوال سنوات تحصيلي العلمي ، وهذا ناتج عن الضغوط النفسية ومتابعة الأحداث" ·
ويضيف : "من الصعب أن تراجع دروسك ، وأنت تتابع الأخبار السياسية والاجتياحات هنا وهناك ، والبحث عن الأخبار مسألة في غاية الأهمية بالنسبة لي ، وهذا جزء أساسي من حياتنا اليومية ، وهذا بالطبع يستغرق وقتا طويلا في التنقل من قناة إلى قناة ، إضافة إلى الآثار النفسية الناتجة عن المشاهد المأساوية التي نراها يوميا · ما شاهدناه في الضفة الغربية جعلنا نتمنى لو أن ما أصابهم أصابنا ، وبقوا هم بخير"ويتابع عاشور حديثه وبين ثنايا كلماته تشعر بالتيه والشرود قائلا : "لا نحاول الهروب من الواقع ، لكن أحيانا نحاول الخروج عن دائرة متابعة الحدث ، ولو لفترة قصيرة جدا · دائما الأصدقاء يتحدثون ويناقشون الأوضاع السياسية ، ومن فرط مللنا من هذا الحديث الذي ألقى بظلاله على كل لقاءاتنا ، يطلب أحدنا تغييرالحديث عن القضايا السياسية والانتقال لموضوع آخر" ·ويقول عياد شرير صاحب مقهى إنترنت كافيه إن طلاب الجامعات يمثلون 95% من مجموع زبائنه الذين يترددون على المقهى ، وهم يأتون في الغالب للتسلية والترفيه ، سواء بالحديث مع ذويهم أو أصدقائهم ، أو لأغراض البحث العلمي ·
ويشير شرير إلى درجة الإحباط التي يعاني منها الشباب الفلسطيني بالقول: "الشباب محبطون من الوضع الاقتصادي السيئ والضغوط النفسية الناتجة عن تدهور الأوضاع الأمنية" ·ويضيف : "عندي ولدان تخرجا من كلية الهندسة بالجامعة الإسلامية ، ما يزالا عاطلين عن العمل ، حالهما كحال الآلاف من الشبان الذين يقفون على أبواب المستقبل وهم يأملون أن تتحسن الأوضاع ، وهذا يلقي بظلاله الثقيلة على مستقبل الشباب العائلي ، حيث يعزف الكثيرون منهم عن الزواج في هذه الظروف نظرا لعدم توفر فرص العمل ، ونفقات الزواج" ·
عالم مجهول
وفي ظل ازداياد حالة التردي في الأراضي الفلسطينية ، وتشديد الحصار والخناق علي كل ما هو فلسطيني ، سيبقى هؤلاء الشباب طاقات معطلة ، على أمل أن تستنفد يوما ما فيما يعود بالفائدة على وطنهم ، ليعيدوا ما دمره الاحتلال ، ويشيدوا صرح دولتهم وسط حالة من الاستقرار والأمن والأمان · فهل سيأتي هذا اليوم ؟ أم سيبقى الشباب الفلسطيني في بحر هائج تتقاذفه الأمواج وتشده التيارات المتقلبةوالمتضادة إلى عالم مجهول.
ولجأ الشباب الذين ضاقت بهم الأرض ذرعا للبحث عما يفجرون فيه مكنوناتهم ، ويصرفون فيه أوقاتهم ، وهم يحاولون عبثا الخروج من واقعهم إلى واقع جديد يجدون فيه أنفسهم ، ويشقون فيه طريقهم ، ويبنون فيه بلدهم التي دمرها الاحتلال ونسف كل معالم الحضارة فيها ·
فهل ترى يستطيعون تغيير الواقع ، أم أنهم سيبقون أسرى الأوضاع المتردية ، كقشة في مهب الريح تتجاذبها التيارات المختلفة ·
يبحثون عن عمل
كاظم الغف (25 عامًا) حاصل على درجة البكلوريوس في البيئة وعلوم الأرض ،...
ويضف الغف : "أنا محظوظ لأنني وجدت عملاً لمدة ثلاثة أشهر ، لكن جميع زملائي الذين تخرجوا معي لا يجدون عملاً ، وما يزالون يعيشون على أمل أن تنفرج الأزمة"
ويتابع حديثه: "أشعر بالملل من هذا البرنامج لعدم وجود عمل أصرف وقتي فيه بفائدة ، وأصبحت حياتي روتين لا يعود بالفائدة ، لذلك أفكر بالبحث عن فرصة عمل خارج البلاد ، واذا وجدتها فلن أتردد في قبولها "
ويضيف : "الأخبار السياسية أوصلتنا لحالة من اليأس من كل ما هو عربي ، وكنت عند سماعي للأخبار أشعر بالتوتر والحزن والضغط النفسي ، لكن الآن أصبح الأمر طبيعيا"
ويضيف : "التحقت بعدة دورات لملء الفراغ ، لكن هذا الحال لن يستمر طويلا ، قررت أن أستثمر وقتي في ورشة للسيارات ، إلى حين يأتي الفرج من الله" ·
وتفيد إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2001 ، في مسح القوى العاملة لدورة تشرين أول - كانون أول 2001 ، الربع الرابع من عام 2001 أن نسبة البطالة في الأراضي الفلسطينية بلغت 26,2% منهم 15,6% أتموا 13 سنة دراسية فأكثر ·
في مقاهي الإنترنت
جيل الطلبة الجامعيين من الشباب ليس أحسن حالا من الخريجين ، فهم يعيشون حالة الإحباط ذاتها ، خاصة أنهم يرون مستقبلا سوداويا ، يأملون أن يجدوا فيه بصيصًا من النور يغير الواقع الحالي إلى واقع أفضل ·
بالرغم من أنني متفائل دائما ، إلا أن الوضع سيئ جدا · معظم الشباب محبطون ، وهذا ينعكس على تحصيلهم العلمي ، منهم لا يستطيع الدراسة إلا قبل الامتحان بيوم ، وهذا بالطبع يؤثر على النتائج ·
حينما أجلس مع أصدقائي ، أسمع منهم عبارات اليأس والقنوط ، وهذا يعكس جوا نفسيا عاما ، يعاني منه الشباب الفلسطيني ، جراء فقدانهم الأمل في المستقبل ·
يصف عاشور الجو النفسي للشباب ، بأنه جو من الإحباط الشديد ، وفي ذات الوقت يحمل في قلبه الأمل في تحسن الأوضاع ، وحسب قوله : "لا شيئ يدوم على حاله" ·
ويضيف : "من الصعب أن تراجع دروسك ، وأنت تتابع الأخبار السياسية والاجتياحات هنا وهناك ، والبحث عن الأخبار مسألة في غاية الأهمية بالنسبة لي ، وهذا جزء أساسي من حياتنا اليومية ، وهذا بالطبع يستغرق وقتا طويلا في التنقل من قناة إلى قناة ، إضافة إلى الآثار النفسية الناتجة عن المشاهد المأساوية التي نراها يوميا · ما شاهدناه في الضفة الغربية جعلنا نتمنى لو أن ما أصابهم أصابنا ، وبقوا هم بخير"
ويشير شرير إلى درجة الإحباط التي يعاني منها الشباب الفلسطيني بالقول: "الشباب محبطون من الوضع الاقتصادي السيئ والضغوط النفسية الناتجة عن تدهور الأوضاع الأمنية" ·
عالم مجهول
وفي ظل ازداياد حالة التردي في الأراضي الفلسطينية ، وتشديد الحصار والخناق علي كل ما هو فلسطيني ، سيبقى هؤلاء الشباب طاقات معطلة ، على أمل أن تستنفد يوما ما فيما يعود بالفائدة على وطنهم ، ليعيدوا ما دمره الاحتلال ، ويشيدوا صرح دولتهم وسط حالة من الاستقرار والأمن والأمان · فهل سيأتي هذا اليوم ؟ أم سيبقى الشباب الفلسطيني في بحر هائج تتقاذفه الأمواج وتشده التيارات المتقلبةوالمتضادة إلى عالم مجهول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق