تشكل جلسات تعاطي القات واحدة من أكثر الظواهر الاجتماعية انتشارا في اليمن، إذ يقبل عليها ما يزيد عن (50- 90 %) من الذكور الذين بلغت أعمارهم 18 سنة أو أكثر، و(30- 50 %) من النساء المتزوجات، ما يعني أن الشباب هم أكثر المتعاطين لهذه العادة السيئة التي لها آثارها الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية الضارة .
ولا ينفصل الحديث عن اليمن وتاريخها من المرور على هذه الظاهرة التي ينظر لها اليمنيون كجزء من موروث شعبي أصبح يمثل أبرز ملامح
حياتهم اليومية، إذ تشكل جلسة تعاطي نبتة القات أو ما يطلق عليها اليمنيون "التخزين" مناسبة اجتماعية شبه يومية، يجتمع فيها الأهل والأصدقاء، ويتم من خلالها التعاطي مع شتى مفردات الحياة العامة، فتنظم الزيجات وتبرم الصفقات وتتداول الآراء السياسية ووجهات النظر المختلفة.لا إيجابيات
يقول د. عبدالله معمر (رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة صنعاء) معلقا على هذا المنحى من تأثيرات القات على الحياة الاجتماعية باليمن: "ربما تكون الحسنة الوحيدة لهذه النبتة الشيطانية أنها تعطي نوعا من الزخم للعلاقات الاجتماعية بما تتيحه مجالسها من لقاءات وتقارب بين الناس، وما عدا ذلك فلا يوجد للقات أي تأثير إيجابي على ملامح الحياة في اليمن."
في حين يشكك الأستاذ أحمد جابر عفيف، رئيس مؤسسة العفيف الثقافية في اليمن، وأحد أبرز المناهضين لهذه الظاهرة، في أن يكون لنبتة القات أي جوانب إيجابية تذكر قائلا: "ليس للقات أي حسنة أو جانب إيجابي، فحتى جلساته الحميمة سرعان ما تنفض على لا شيء، والاتفاقات والنقاشات التي يتم تداولها في هذه الجلسات تتحول إلى سراب بمجرد زوال المخدر وانتهاء وقت التخزينة، وفي اعتقادي أن هذه الجلسات كثيرا ما تلعب دورا في تأزيم العلاقات بين الناس نتيجة عدم الثقة بنتائجها".
أما المتعاطون للقات فيرون بأنه يمدهم بنشاط ذهني وعضلي، ويوثق علاقاتهم الاجتماعية، كما أنه وسيلة للتسلية، وقضاء أوقات الفراغ، ويرتبط أيضاً بالمناسبات الاجتماعية خاصة في الأفراح والمآتم وجلسات الصلح بين القبائل.
في حين يرى آخرون معارضون لهذه العادة بأن القات سبب من أسباب التفكك الأسري، حيث يقضي المتعاطي ساعات طويلة في جلسة التعاطي بعيدا عن زوجته وأولاده، وكذلك الحال إذا كانت الزوجة تتعاطى القات حيث تجلس هي الأخرى مع صاحباتها لساعات طويلة بعيدا عن الزوج والأولاد ما يضعف من الروابط الأسرية.
الحكم الشرعي
ولم يقتصر هذا الانقسام والتباين إزاء هذه الظاهرة على وجهات النظر بل امتد إلى جدل ديني حول مشروعية تعاطي القات في الشريعة الإسلامية، حيث يرى مؤيدو الظاهرة أنه لا توجد معايير علمية دقيقة ومحددة يمكن من خلالها تصنيف نبتة القات كمادة مخدرة، وهو ما يمكن معه الاجتهاد بالقياس والقطع بتحريمها ومنافاتها لمقررات الشريعة الإسلامية، ويقول رئيس الجمعية اليمنية لحماية المستهلك حمود البخيتي في هذا الصدد : "لا يستطيع أحد الجزم أو القطع بتحريم تعاطي القات، حيث لم يثبت أي تحليل علمي شمول القات على أي مادة مخدرة كي يقاس على تحريمها، بل على عكس ما يعتقد، فإنه يحتوي على نسبة ضئيلة من مادة الكافيين المنبهة، ولذلك فهو يساعد على التنبه واليقظة لا على الكسل".
إلا أن مثل هذا القول القاضي بمشروعية تعاطي القات يتراجع أمام جملة من الأدلة القاطعة بثبوت تحريمه وتعارضه مع مقررات الشريعة الإسلامية.
ويقول د. حسن الأهدل (عميد كلية الشريعة والقانون سابقا) مدللا على هذا الحكم: "الشريعة الإسلامية قطعت بتحريم كل ما يضر الإنسان أو يتسبب له بالأذى رحمة من الخالق جلا وعلا بخلقه، فحرمت الخمر بنص صريح
رغم أن للخمر في نظر البعض فوائد، ولكن مجموع هذه الفوائد تتضاءل أمام الكم الهائل من الضرر الذي يمكن أن يلحق بالإنسان جراء تعاطيه الخمر، لذلك جاءت حكمة التحريم اتقاء لضرر عظيم، والقات له نفس القياس، فأوجه ضرره أكثر من نواحي نفعه وفوائده، لذا حكمه حكم كل ما يضر الإنسان .. التحريم القاطع ".
ويضيف الشيخ عبد المجيد الريمي، أحد علماء الدين في البلاد، مؤكدا حرمة هذا التعاطي بقوله: "يقول الخالق جلا وعلا في محكم آياته: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" كما يقول: "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين" وفي تعاطي القات إلقاء بالنفس إلى التهلكة وتبذير يصل حد السفه، فالأموال التي تدفع لاقتناء هذه المادة تكون دائما على حساب حياة الفرد والأسرة، وفي مجموعها إغراق للمجتمع بأسره في الفقر والعوز، إضافة إلى أن القات يصرف الإنسان عن الصلاة في مواعيدها، فمتعاطي القات يضطر لجمع فرضي الظهر والعصر في وقت واحد وصلاة واحدة كي يتسنى له الجلوس لتعاطي القات، كما أن الأرق والسهر الناتج عن تأثيرات القات يفوت على الكثيرين نعمة صلاة الفجر".
أضرار صحيةويوضح د. أحمد سالم صلاح (المستشار بوزارة الصحة اليمنية ومؤلف كتاب "القات أبعاد المشكلة والحلول") الأضرار الجسيمة التي يلحقها تعاطي القات بالفرد والأسرة والمجتمع بأسره بقوله: "القات أو (الكاثا ايدوليس) كما يسمى باللغة اللاتينية، يتكون من مادتي الكاثين والكاثينون الكيميائيتين اللتين تؤديان إلى نتائج مشابهة لآثار الامفيتامين على صحة الإنسان من ارتفاع لضغط الدم وحرارة الجسم إلى جانب إفراز الأدرينالين، إضافة إلى أنه من الأسباب المباشرة لأمراض الكبد نتيجة احتوائه على مادة التانين " التي تؤثر على نشاط الكبد ووظائفه، وقد تؤدي إلى الإصابة على المدى البعيد بتليف جزئي أو كلى للكبد"
وإلى جانب كل ذلك يرى الأطباء أن القات ليست له أية فوائد صحية كما يتوهم بعض المتعاطين، ويعددون الكثير من الأمراض التي تسبب فيها القات، ومنها صعوبة التبول، والإفرازات المنوية اللاإرادية بعد التبول وفي أثناء المضغ، وذلك لتأثير القات على البروستات والحويصلة المنوية، وما يحدثه من احتقان وتقلص، كذلك يتحدث الأطباء عن الضعف الجنسي كأحد نتائج إدمان القات.
كما يؤدي إدمان القات إلى زيادة نسبة السكر في الدم، مما يجعل متعاطيه أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري، ويقلل نسبة البروتين في الدم، مما يؤثر على نمو الجسم، ولعل هذا ما يفسر الهزال وضعف البنية لدى
غالبية المتعاطين في اليمن على سبيل المثال.
وقد لاحظ الأطباء ارتباطاً بين ازدياد حالات سرطان الفم والفك وبين إدمان هذا النبات المخدر، خاصة في السنوات الخمس الأخيرة إذ انتشرت عمليات استخدام مواد كيميائية غير مسموح بها عالمياً ترش على هيئة بودرة أثناء زراعته.
ولتعاطي القات بعد اجتماعي سلبي آخر تلخصه د. ابتسام الأزهري، وهي أكاديمية يمنية، لها العديد من الأبحاث المبينة لانعكاسات تعاطي القات على حياة الأسرة اليمنية بقولها: " يقتطع القات ما يزيد عن50% من دخل الأسرة، وكثيرا ما يعمل على زعزعة العلاقات الأسرية بسبب الإنفاق الكبير لرب الأسرة على القات ما يؤثر على تلبية الاحتياجات المعيشية، وخاصة الجوانب المتعلقة بالغذاء والتعليم، وهو ما ينعكس في النهاية على الجو العام للأسرة، ويكفي أن نعرف أن ما يزيد عن 650مليون دولار ينفقها الناس سنويا للحصول على هذه المادة فيما تبلغ فاتورتهم من القمح المستورد 600 مليون دولار سنويا".
ولا تتوقف انعكاسات تعاطي مادة القات عند حدود الأضرار التي تلحق بصحة الأفراد والمستوى المعيشي للأسر فحسب، بل تتجاوز ذلك بكثير، ويقول د. حسين علوي الجنيد (أحد أبرز الخبراء الزراعيين في اليمن): "إن زراعة القات تحتل المرتبة الأولى بين المحاصيل الزراعية النقدية في البلاد، من حيث المساحة المزروعة وكمية الناتج الزراعي والمساهمة في الناتج المحلي العام بعد النفط، وإن أكثر من9.5 % من الأراضي المزروعة و5.3% من نسبة الأراضي الصالحة للزراعة في البلاد مزروعة بالقات، فيما يبلغ إجمالي المبالغ الداخلة في تكاليف زراعته وتداوله واستهلاكه نحو ثمانية وخمسين مليار ريال وفقا لتقديرات الدراسة لعام 2000م، وهو ما يمثل نحو 6.3% من الناتج المحلي من غير النفط، ونحو 30% من الناتج المحلي للزراعة".
وتدرك الحكومة اليمنية سلبيات القات، ولكنها تدرك أيضا أنه لا يمكن مقاومته في المدى المنظور، وحتى الدعوات للإقلاع عن تناوله فإنها تأتي نظرية وإرشادية من دون أن تقترن بقرارات حازمة. فالرئيس اليمني علي عبدالله صالح وجد في مخاطبة الحركة الشبابية فرصة لدعوة الشباب إلى ممارسة الرياضة والإقلاع عن تعاطي القات، ولكن في المقابل فإن التعليمات الرسمية للامتناع عن تناول القات أثناء العمل تبدو غير منفذة على الأغلب.
ويُرجع الأستاذ عبد الحميد الحزمي، وكيل وزارة الخدمة المدنية، عدم تجاوب الكثيرين مع القرارات الرسمية بمنع تداول القات على الأقل في المؤسسات الحكومية إلى ما وصفه "بسطوة هذه العادة وحضورها القوي عند القطاع الأعظم من الشعب اليمني" إذ يقول في هذا الصدد: "القات هو الظاهرة التي يمكن لنا القول بأنها تخطت القرار، لقد كان قرار المنع خطوه جيدة، على الأقل بدأنا نهيئ الناس لتقبل هذا الأمر، وأعتقد أن عدم التجاوب الذي لمسناه مرده سطوة هذا العادة وحضورها القوى عند الناس "
وهكذا تقف ظاهرة تعاطي القات كواحدة من أكثر المعضلات الاجتماعية التي تحد من تطلعات اليمنيين نحو تحسين ملامح حياتهم، في ظل معطيات تؤكد يوما بعد آخر اتساع مساحة التفاقم المطرد لتأثيرات هذه الظاهرة، الأمر الذي لا يمكن معه التفاؤل بإحراز أي تقدم يكون له أثره في تحسين مفردات الواقع اليومي لليمنيين قبل النجاح في اجتثاث هذه النبتة الشيطانية .
ولا ينفصل الحديث عن اليمن وتاريخها من المرور على هذه الظاهرة التي ينظر لها اليمنيون كجزء من موروث شعبي أصبح يمثل أبرز ملامح
حياتهم اليومية، إذ تشكل جلسة تعاطي نبتة القات أو ما يطلق عليها اليمنيون "التخزين" مناسبة اجتماعية شبه يومية، يجتمع فيها الأهل والأصدقاء، ويتم من خلالها التعاطي مع شتى مفردات الحياة العامة، فتنظم الزيجات وتبرم الصفقات وتتداول الآراء السياسية ووجهات النظر المختلفة.
يقول د. عبدالله معمر (رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة صنعاء) معلقا على هذا المنحى من تأثيرات القات على الحياة الاجتماعية باليمن: "ربما تكون الحسنة الوحيدة لهذه النبتة الشيطانية أنها تعطي نوعا من الزخم للعلاقات الاجتماعية بما تتيحه مجالسها من لقاءات وتقارب بين الناس، وما عدا ذلك فلا يوجد للقات أي تأثير إيجابي على ملامح الحياة في اليمن."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق